قراءات ريادية

المنتج العنصر الأهم في المزيج التسويقي؟

المصدر: Nathalia Rosa من موقع unsplash.com
يعدّ المنتج من أهم عناصر المزيج التسويقي التقليدي.

طوال السنوات الماضية كان المسوقون يهتمون بشكل كبير بتطوير خصائص المنتج ووظائفه وطرق ترويجه، بالإضافة إلى اهتمامهم بتسعيره وتوفيره في أماكن تواجد المستهلكين.
ولكن في السنوات الأخيرة، ومع ازدياد المنافسة وتوجه الكثير من المستهلكين إلى الأسواق الإلكترونية، بالإضافة إلى التغير المستمر في احتياجات ورغبات المستهلكين، شهد المزيد التسويقي تغيراً ملحوظاً كذلك، فبدلاً من تركيز المسوقين على المنتج أصبح التركيز بشكل أكبر على المستهلك.
ومن أبرز النماذج التسويقية التي ركزت على العميل أو المستهلك خلال السنوات الماضية، نموذج المزيج التسويقي (4C’s)، ونموذج المزيج التسويقي (S.A.V.E).
نشأة نموذج المزيج التسويقي (4C’s)
برزت فكرة النموذج التسويقي الجديد في مقال قام البروفسور روبرت لوتربورن (Robert F. Lauterborn)، المتخصص في مجال الإعلان والتسويق، بكتابته في عام 1990. وقد ذكر لوتربورن في ذلك المقال بأن المزيج التسويقي التقليدي (4P’s) لم يعد قادراً على مواكبة متطلبات السوق ولم يعد قادراً على معالجة ما يواجهه المسوقون من مشاكل.
واقترح بعض التغييرات التي يجب إجراءها على النموذج التسويقي التقليدي حتى يتماشى مع متطلبات العصر الحديث. اعتبر لوتربورن بأن احتياجات المستهلك هي المحور الأساسي الذي يجب على الشركات الاهتمام به بدلاً من الاهتمام فقط بما يقدمونه من منتجات وخدمات، بحيث ينعكس ذلك الاهتمام أو التركيز على اختيار الشركات لما يقدمونه من منتجات وخدمات، وتوجيه انتاجهم لما يرغب العميل حقاً في الحصول عليه.
كما اقترح لوتربورن أيضاً التركيز على تكلفة إرضاء العميل ومدى وملاءمتها بالنسبة له بدلاً من التركيز فقط على سعر المنتجات والخدمات، والتركيز كذلك على راحة العميل خلال عملية الشراء بدلاً من التركيز على توافر المنتجات في أماكن محددة وفي وقت محدد خلال اليوم.
وأخيراً دعا لوتربورن إلى التركيز على التواصل الذي يتمكن العميل والشركة من خلاله إنشاء قناة اتصال ثنائية الاتجاه لضمان تواصل فعّال فيما بينهما، بدلاً من الاعتماد على قيام الشركات بالترويج لما يقدمونه من منتجات وخدمات.
التحول من المزيج التسويقي التقليدي (4P’s) إلى المزيج التسويقي (4C’s)
• من المنتج (Product) إلى حاجات ورغبات العملاء (Consumer wants and needs): 

تهتم الشركات التي تتبنى النموذج التسويقي الحديث (4C’s) بفهم حاجات ورغبات العملاء، وتوفير منتجات وخدمات تلبي تلك الاحتياجات والرغبات، ما يؤدي إلى زيادة رضى العملاء وولائهم للشركة، كما يسهل عليهم اتخاذ قرارات الشراء نظراً لسعي الشركة لتويفر ما يحتاجه العملاء من منتجات وخدمات.

فبدلاً من قيام الشركة بصنع المنتجات والخدمات ومن ثم البحث عن طرق لترويجها وإقناع المستهلك باقتنائها، أصبحت الشركات لا تنتج إلا المنتجات والخدمات التي يرغب المستهلك حقاً في اقتنائها، والتي تلبي حاجاته ورغباته.


• من السعر (Price) إلى التكلفة (Cost): تعكس التكلفة في النموذج التسويقي (4C’s) التكلفة الواقعية لما يجب على المستهلك دفعه مقابل حصوله على المنتج أو الخدمة. فمتغير التكلفة يعطي معلومات أكثر تفصيلاً للمستهلك من متغير السعر. فالسعر هو تكلفة انتاج تلك السلعة أو الخدمة وهو ما يتوجب على العميل دفعه.

أما التكلفة فهو المبلغ الازم لتلبية حاجات ورغبات المستهلك، وذلك قد يشمل تكلفة الإنتاج وتكلفة الوقت اللازم لحصول العميل على المنتج، وتكلفة تحوله إلى منتج جديد، وتكلفة الفرصة البديلة أو تكلفة عدم اختيار المستهلك لأي بديل آخر يقدمه المنافسون، وما إلى ذلك.


• من المكان (Place) إلى الراحة (Convenience): أما بالنسبة لعنصر الراحة، فيشتمل على قيام الشركة بتوفير طرق بيع مناسبة وملائمة للمستهلكين، تضمن لهم الراحة والسرعة. كأن تقوم الشركة بتوفير العديد من طرق الدفع لتتناسب مع تفضيلات العملاء، فقد تقوم بتوفير آلية للدفع عبر الانترنت باستخدام البطاقات الائتمانية أو إمكانية الدفع الآجل أو من خلال الشيكات أو النقد، وغيرها.

وقد تقوم الشركة أيضاً بتوفير إمكانية لشراء المنتجات عبر الإنترنت بالإضافة إلى قدرة المستهلك على الشراء من المتاجر الفعلية، كما قد تتيح خدمة لتوصيل المنتجات إلى مكان العميل، وغيرها من الطرق التي تضمن راحة العميل وسرعة حصوله على المنتجات والخدمات المطلوبة.


• من الترويج (Promotion) إلى التواصل (Communication): يمثّل التواصل العنصر الأخير في نموذج (4C’s)، ويعد التواصل مع العميل وبناء علاقات قوية ومستمرة معه من الجوانب الهامة التي تسعى الشركات إلى تعزيزها. وذلك من خلال معرفة احتياجات العملاء ورغباتهم، والحصول على تغذية راجعة حول آرائهم في المنتجات والخدمات المقدمة من قبل الشركة، سواءً قبل إتمام عملية الشراء أو بعدها، والتأكد من مدى رضا العملاء عن المنتجات والخدمات المُقدمة.
نشأة نموذج المزيج التسويقي (S.A.V.E)
في عام 2013، كتبت مجلة هارفرد بيزنس ريفيو(Harvard Business Review) مقالة بعنوان إعادة التفكير في نموذج (4P’s)، والتي اقترحت من خلاله إعادة تهيئة وتطوير نموذج المزيج التسويقي التقليدي ليتناسب مع متطلبات الأعمال في وقتنا الراهن.
وقد استند ذلك الاقتراح أو التوجه الذي طرحته المجلة إلى دراسة قامت بها لمدة خمس سنوات شملت أكثر من 500 مدير وعميل في بلدان متعددة وعبر مجموعة واسعة من الصناعات. وقد خلصت تلك الدراسة إلى أن نموذج التسويق التقليدي يضعف من قدرات وامكانيات المسوقين أو المنتجين من خلال:
• تركيز المسوقين على المنتج والجودة والتكنولوجيا المستخدمة، على الرغم من أن تلك العوامل لم تعد عوامل تميز وإنما عوامل قد يحتاجها المنتجون لدخول الأسواق الجديدة.


• يقلل استخدام النموذج التسويقي التقليدي من قيمة المنتجات أو الخدمات المقدمة إلى العميل. فهو يركز على كونها منتجات يقوم العميل باستخدامها لتلبية حاجة لديه، ولا يتعامل معها كونها حل يقدمه المسوق للعميل لمساعدته في حل مشكلة ما يعاني منها.
التحول من المزيج التسويقي التقليدي (4P’s) إلى نموذج المزيج التسويقي (S.A.V.E)
• من المنتج (Product) إلى الحل (Solution): تركز العديد من الشركات التي تتبنى نموذج التسويق التقليدي على المنتج ومميزاته وما يقدمه من وظائف، والكيفية التي يمكن للشركة من خلالها تطوير منتجاتها لتتغلب على منافسيها في السوق. ولكن، العملاء لا يهتمون فعلياً بكل تلك التفاصيل، كل ما يعنيهم هو حل مشاكلهم.


إن كانت منتجاتك وخدماتك تقدم الكثير من الفوائد وتمتلك العديد من الميزات، لكنها لا تقدم حلاً لما يعانيه العملاء من مشاكل وتحديات، فلن يكون لمنتجك أي قيمة لديهم.

• من المكان (Place) إلى الوصول (Access): لم يعد المكان أو الموقع الجغرافي الذي يتم توفير المنتجات فيه، من العناصر الهامة في المزيج التسويقي. فمع تطور التكنولوجيا لم يعد المكان ذو أهمية كبيرة بالنسبة للعملاء. فالعملاء اليوم يقومون بالبحث عن أفضل وأبسط الطرق التي يمكنهم من خلالها الحصول على ما يرغبون من منتجات أو خدمات، وفي المكان والزمان المناسب بالنسبة لهم.

فكلما كانت طرق الوصول لمنتجاتك وخدماتك بسيطة وتوفر للعميل خيارات واسعة ليتمكن من اختيار ما يناسبه منها كلما اتسعت قاعدة عملاءك وزاد اهتمامهم بما تقدمه من منتجات وخدمات.


• من السعر (Price) إلى القيمة (Value): يعتبر تصور العميل لقيمة المنتج أو الخدمة اليوم أكثر أهمية من سعر المنتج. فمع توافر الكثير من المعلومات والخيارات المتاحة بالنسبة للعملاء اليوم، أصبحت القيمة ذات أهمية كبرى في عملية اتخاذ قرارات الشراء.

فكلما كانت قيمة الحل الذي تقدمه لعملائك أكبر من القيمة التي يقدمها المنافسون، فلن يكون لدى العملاء أي مشكلة في دفع أي ثمن تقوم بتحديده لتلك القيمة، طالما كان ذلك الثمن ضمن الحدود المعقولة والمقبولة بالتأكيد. ركز على توفير منتج ذو قيمة عالية بالنسبة للعملاء، بدلاً من محاولة توفير منتج يتميز بأن سعره هو الأفضل في السوق.


• من الترويج (Promotion) إلى تقديم المعرفة والمعلومات (Education): مع اختلاف احتياجات العملاء ورغباتهم وتوافر العديد من الخيارات لدى العملاء، لم تعد فكرة قيام الشركة بالترويج لما تنتجه من سلع أمراً مقبولاً. فلم يعد العميل يقبل بأن تقوم الشركات بفرض منتجاتها وخدماتها عليه، فاليوم يستطيع العميل اختيار المنتجات والخدمات التي تلبي حاجته وتساهم في حل ما يعانيه من مشاكل.

وذلك يتطلب منك أن تقوم بالتواصل مع العملاء بشكل فعال، ومعرفة احتياجاتهم ورغباتهم، وتزويدهم بكل ما يحتاجونه من معلومات حول المنتجات وطريقة انتاجها، والإجابة على أي استفسار لديهم لخلق حالة من الفهم الصحيح والسليم للمنتج أو الخدمة، مما يزيد الثقة والمصداقية بينك وبين العملاء.
تمنح نماذج المزيج التسويقي الحديثة قيمة للمستهلك أكثر بكثير مما يمنحها المزيج التسويقي التقليدي (4P’s)، فهي لا تركز فقط على تسويق المنتج وبيعه ولكنها تهتم أيضاً بالتواصل مع العملاء والمستهلكين المحتملين والفعليين، ابتداءً من بحث المسوقين عن فكرة لمنتجاتهم وخدماتهم، وصولاً لإتمام صفقة الشراء وما يتبعها من خدمات.
إن المزيج التسويقي التقليدي يركز على التسويق من وجهة نظر البائع وما يتعلق به من عناصر، بينما تهتم نماذج المزيج التسويقي الحديثة بوجهة نظر المشتري وما يتعلق بها من عناصر.
تساعد تلك النماذج التسويقية الحديثة المنتجين والمسوقين على فهم احتياجات جمهورهم بشكل فعلي وحقيقي قبل البدء بتطوير منتجاتهم وخدماتهم. أي أنه يتوجب عليك كمسوق أو مُنتِج أن تتواصل مع عملائك بشكل مستمر ابتداءً من المرحلة التي ستقوم خلالها باختيار المنتج أو الخدمة الجديدة التي سيتم طرحها في الأسواق، وصولاً لحصول العميل على ذلك المنتج أو تلك الخدمة.

وخلال تلك الرحلة، اسع جاهداً لفهم ما يريده العميل وما يحتاجه، واسع لتقديم المعرفة والمعلومات التي يحتاجها عميلك حول ما تقدمه من منتجات وخدمات. تذكر أن تفكر في عميلك أولاً، وتتواصل معه في كل المراحل، فذلك سيساهم في أن يشعر عملائك بالتقدير لما تقدمه لهم من اهتمام ورغبة في تحقيق احتياجاتهم ورغباتهم، بدلاً من التركيز فقط على زيادة أرباحك ومبيعاتك.