هل يستطيع رواد الأعمال الاجتماعيين المساهمة في حل أزمات مصيرية تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
عمر سليم
تلعب ريادة الأعمال الاجتماعية دوراً هاماً في خلق منتجات جديدة مُبتكرة ذات طبيعة تخدم المجتمع وتساهم في حل العديد من قضاياه وأزماته، مثل توليد سلع قادرة على تسهيل حياة المواطنين أو مواجهة أزمات البيئة المحيطة مثل تغير المناخ، ندرة المياه، البطالة، والتوعية بمخاطر تلوث البيئة، وغيرها من الأمور الهادفة لحماية الموارد الطبيعية للكوكب الذي نعيش فيه، ويستطيع ذلك النوع من ريادة الأعمال أن يؤثر بشكل مباشر على مواجهة العديد من المعضلات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا إنه في ذات الوقت يواجه ذلك القطاع بعض المعوقات التي تحد من انتشاره بشكل مؤثر، وتجعل رواد الأعمال الاجتماعيين غير قادرين على التأثير الإيجابي الملحوظ في أزمات المنطقة خاصة المرتبط بابتكار حلول بيئية واستغلال الموارد الطبيعية.
ما هي ريادة الأعمال الاجتماعية؟
يُعرف مركز النهوض بريادة الأعمال الاجتماعية (CASE)، التابع لجامعة Duke University الأمريكية، ريادة الأعمال الاجتماعية بأنها عملية التعرف على الفرص والسعي وراءها ببراعة لخلق قيمة اجتماعية، حيث يعتمد رواد الأعمال الاجتماعيين على أفضل الأفكار في كل من العالمين التجاري وغير الربحي لتطوير استراتيجيات تزيد من تأثيرها الاجتماعي، فهم يعتبرون الدافعين والمبدعين الذين يتساءلون عن الوضع الراهن، ويستغلون الفرص الجديدة، ويرفضون الاستسلام للتحديات، ويعيدون تشكيل العالم للأفضل.
وفي ذات النطاق توضح منظمة HEC Paris، أنه عندما يفشل القطاع الخاص في تلبية الاحتياجات الاجتماعية، ويكون هناك نقص في الإطار المؤسسي، فإن البيئات ذات أعلى مستوى من التطور المؤسسي والرفاهية الاقتصادية تُظهر أعلى النسب بين الأنشطة المتعلقة بالبيئة خاصة خلال "مرحلة تشغيل ما بعد بدء التشغيل" ومرحلة "بدء التشغيل"، مما يشير إلى أن أنشطة البيئة الخاصة تعتمد على آليات الدعم المؤسسي لتعزيزها.
مواجهة أزمات المنطقة
يمكن لرواد الأعمال الاجتماعيين المساهمة في مواجهة أزمات ناتجة عن ندرة الموارد الطبيعية بل شحها في بعض بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يشير تقرير البنك الدولي الذي نشر في يناير 2023، تحت عنوان "ضعف الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يفاقم أزمة الأراضي"، إلى أن الأراضي الزراعية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انخفضت بنسبة 2.4% خلال فترة 15 عامًا من 2003 حتى 2018، وهو أكبر انخفاضاً في العالم في منطقة بها بالفعل أدنى مساحة من الأراضي الزراعية للفرد وهامش ضئيل للزراعة، وفي ذات الوقت وخلال الفترة نفسها، زاد عدد السكان بنسبة 35% ومن المتوقع أن يرتفع بنسبة 40% أخرى ليصل إلى 650 مليون شخص في عام 2050، مما يوضح أن هناك أزمة مصيرية تضرب المنطقة وتحتاج لإبداع وابتكار رواد الأعمال الاجتماعيين لمواجهتها من خلال خلق أفكار ومنتجات وتكنولوجيا جديدة قادرة على مواجهة تلك التحديات الخطيرة.
تقول "سارة لدوي"، مؤسس شركةRais'Eau الناشئة بالمغرب، التي تعمل على على إنشاء وتطوير حلول تكنولوجية بسيطة محلية لمواجهة أزمة ندرة المياه:"المشاكل الاجتماعية الحالية طويلة الأمد، مثل تغير المناخ، ندرة المياه، الفقر، والبطالة، تتطلب حلولًا مستدامة وفعالة لتحقيق التغيير المجتمعي المطلوب. يُمكن لريادة الأعمال الاجتماعية أن تلعب دورًا حاسمًا في مواجهة هذه المشاكل، من خلال تقديم حلول مستدامة ومُبتكرة وفعالة تستند إلى المبادئ التجارية للحد من التلوث وتحسين استخدام الموارد وتشجيع الابتكار وخلق فرص العمل".
يقول "معهد الشرق الأوسط" الأمريكي" في تقرير حمل عنوان "تعزيز ريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: حافز للتعافي المستدام والشامل من COVID-19"، أنه تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ارتفاعًا في معدلات البطالة، وتدهورًا في دخل الأسرة، وتدهورًا في سبل العيش، علاوة على ذلك، تستضيف دول مثل العراق والأردن ولبنان ملايين اللاجئين وأيضاً هناك ملايين من النازحين، لذلك من المحتمل أن يؤدي الاهتمام بريادة الأعمال والابتكار إلى تحفيز انتعاش أكثر شمولاً بالتوازي مع إظهار الفوائد الاقتصادية الأوسع للمجتمع من الإصلاحات التقدمية والتحولات في المعايير الجنسانية.
ريادة الأعمال الاجتماعية لها دوراً هاماً في خلق حلول للمشاكل المجتمعية المختلفة، هذا ما تؤكده "فرح كامل"، الشريك في مؤسسة Dayma، بمصر، والتي تعمل في مجال التوعية بالأنشطة البيئية والموارد الطبيعية، حيث توضح أن لرواد الأعمال الاجتماعيين مقدرة على العمل بشكل أكثر سرعة من القطاع العام والشركات الكبرى، من أجل خدمة المجتمعات واحتياجات البيئة، والتوعية والتعليم البيئي، والتنوع البيولوجي وما يخص تلك الأمور، ومحاكاة الطبيعة لحل التحديات التي نتعرض لها على الأرض، مع التأقلم مع الطبيعة واستغلال الموارد بطريقة مستدامة، وحل المشاكل الناتجة عن ظاهرة تغير المناخ.
دعا المعهد لتوفير نظام بيئي إيجابي لرواد الأعمال في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لتهيئة أفضل ممارسات ريادة الأعمال التي يمكن أن تساعد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المنطقة، التي تحتاج لأدوات متخصصة للنساء والشباب لتعزيز شمولهم المالي، وكسر الحواجز التنظيمية، والوصول إلى التمويل الأصغر، واكتساب مهارات قيمة، وهو ما قد يُمكن رواد الأعمال الاجتماعيين من إنقاذ المنطقة من بعض أزماتها.
الابتكار وخلق الفرص
توضح Stanford Social Innovation Review (SSIR) في تقريرها عن ريادة الأعمال الاجتماعية، أن كلمة ريادة الأعمال هي نعمة ونقمة، حيث إنه على الجانب الإيجابي، يشير ذلك إلى قدرة فطرية خاصة على الإحساس بالفرصة والتصرف بناء عليها، والجمع بين التفكير خارج الصندوق والعلامة التجارية الفريدة من التصميم على خلق أو تحقيق شيء جديد في العالم، أما على الجانب السلبي، فإن ريادة الأعمال الاجتماعية هي فترة لاحقة، لأن أنشطتها تتطلب مرور الوقت قبل أن يتضح تأثيرها الحقيقي.
تتفق فرح" مع ما ضرورة تحفيز التفكير الإبداعي، موضحة أن التوجه العام في المنطقة بمختلف مستوياته يتجه للمشاريع القائمة على التكنولوجيا أما المشاريع الاجتماعية ليست ضمن قائمة الأولويات بالشكل المناسب، ولذلك نحتاج للابداع والابتكار ي ربط المشاريع الاجتماعية مع التقنية لتوجيهها لخدمة المجتمع ومواجهة أزماته البيئية المختلفة.
يؤكد تقرير "ستانفورد" أنه بصرف النظر عما إذا كانوا يصورون رائد الأعمال على أنه مبتكر خارق أو مستغل مبكر، فإن المنظرين يربطون عالميًا ريادة الأعمال بالفرصة، حيث يُعتقد أن رواد الأعمال يتمتعون بقدرة استثنائية على رؤية الفرص الجديدة واغتنامها، وتحقيق الالتزام والدافع المطلوبين لمتابعتها، والاستعداد الثابت لتحمل المخاطر الكامنة، حيث يفكر رائد الأعمال بشكل خلاق ويطورون حلاً جديداً يتعارض بشكل كبير مع الحل الحالي. لا يحاول رائد الأعمال تحسين النظام الحالي بإجراء تعديلات طفيفة، ولكنهم بدلاً من ذلك يجدون طريقة جديدة تمامًا للتعامل مع المشكلة، حيث يُظهر رواد الأعمال شجاعتهم طوال عملية الابتكار، ويتحملون عبء المخاطرة ويحدقون في الفشل بشكل مباشر إن لم يكن في مواجهته بشكل متكرر، لذلك غالباً ما يتطلب هذا من رواد الأعمال تحمل مخاطر كبيرة والقيام بأشياء مُبتكرة يعتقد الآخرون أنها غير حكيمة.
تشعر "فرح" بضيق وضربات متسارعة في قلبها عندما تواجه نفسها بأن ريادة الأعمال الاجتماعية من المحتمل أن تنقرض ويُبني مكانها شيء آخر أكثر سهولة وتخصصاً.
يوصي التقرير رواد الأعمال بأن يمتلكوا الجرأة والعزيمة لدفع حلولهم الإبداعية حتى تؤتي ثمارها وتظهر في السوق، فلا ينطلق أي مشروع ريادي بدون انتكاسات أو منعطفات غير متوقعة، ويحتاج رواد الأعمال إلى أن يكونون قادراً على إيجاد طرق إبداعية للتغلب على الحواجز والتحديات التي قد تظهر في طريقه.
إمكانية الربح
يرى تقرير "ستانفورد" أن التمييز الجوهري بين ريادة الأعمال وريادة الأعمال الاجتماعية يتركز في قيمة الاستثمار، بالنسبة لرائد الأعمال، يتوقع عرض القيمة ويتم تنظيم منتجاته لخدمة الأسواق التي يمكنها تحمل تكلفة المنتج أو الخدمة الجديدة بشكل مريح، وبالتالي فهو مصمم على تحقيق ربح مالي منذ البداية، لذلك يتوقع رائد الأعمال ومستثمريه أنهم سوف يجنون بعض المكاسب المالية، على عكس رائد الأعمال الاجتماعي، الذي لا يخطط لتحقيق أرباح مالية كبيرة لنفسه أو لمستثمريه – الذين يكونون من المنظمات غير الهادفة للربح والحكومية في العديد من الأحيان - حيث يهدف رائد الأعمال الاجتماعي إلى تحقيق القيمة في شكل فائدة تحويلية واسعة النطاق تعود بالمنفعة إما إلى شريحة كبيرة من المجتمع أو للمجتمع ككل.
تعود "سارة" لتشير إلى أنها حاليا تقوم بمواجهة أزمة ندرة التمويلات في المجال الاجتماعي عن طريق القيام بخطة عمل تبعاً للتمويل المتوفر، والقيام بمبيعات كافية للحفاظ على استمرارية الشركة، وبناء سمعة جيدة من خلال زيادة المبيعات لجذب المستثمرين وزيادة التمويل المتاح، كما أن إعداد التقارير المالية الدورية سيساهم في إقناع المستثمرين بجدوى المشروع وقدرته على تحقيق الأرباح والعوائد المستدامة.
على الرغم من دور ذلك القطاع الحيوي في المجتمع، إلا أنه لم يجد الاهتمام المطلوب أو التوعية بمميزاته بشكل كافي، حيث يوضح "يوسف حميد الدين"، الشريك الإداري في منظمة VentureXالأردنية،أن مجال ريادة الأعمال الاجتماعية يتأثر بشدة بتمويل المانحين الذي له اهتمامات متعددة، حيث إن التمويل والاستثمارات المؤثرة مدفوعة بثقافة العمل الخيري الناشئة في الشرق الأوسط في دوائر الاستثمار، كما يتطلب أيضاً مستوى من المعرفة به لا يزال يتطور ببطء في المنطقة.
قد يكون رواد الأعمال الاجتماعيين هم الفرصة الذهبية لحكومات المنطقة لمساعدتها في ابتكار حلول مختلفة لأزمات متعددة تعاني منها المنطقة، أبرزها شح الموارد الطبيعية مع استمرار ارتفاع معدل نمو السكان بشكل خطير، وما يرتبط بذلك من تحديات مختلفة تنعكس على العديد من المجالات التي تؤثر سلباً على سكان عدد من دولها، لذلك فإن توفير التمويل والرعاية المناسبة لهم ولمشاريعهم الاجتماعية الناشئة ونشر فكرة المسؤولية المجتمعية بين المستثمرين وأصحاب الأعمال الكبرى منها والصغرى لم يعد من الرفاهية أو من الأمور الممكن تأجيلها، بل أصبح ضرورة يُمكن أن تساهم في إنقاذ المنطقة من مخاطر مستقبلية متعددة.
المؤلف: عمرو سليم