البدايات هي الأصعب.. كيف تدير الشهور الأولى لمشروعك الناشئ؟
ربما من أصعب قواعد الحياة وأثقلها، أن البدايات دائمًا يجب أن تكون مرهقة. بداية أي شيء يجب أن تكون مرهقة عسيرة وتتطلب مجهوداً خاصاً، فلحظة قدومك إلى الدنيا، وشهــورك الأولى في التعلم والإدراك، هي الأصعب في مسيرتك في الحياة .
لحظـة إقلاع الطائرة هي الأصعب قطعًا، اليوم الأوّل لبدء اتباع حمية غذائية هو أكثر الأيام طولاً ومشقة بالنسبة إليك، التجربة الأولى لقيادة السيارة تبدو كذلك صعبة ومعقّدة، الأمر ذاته ينطبق على تأسيس الشركات، فلحظـة إطلاق مشروعك الناشئ هي المرحلة الأكثر صعوبة بلا شك، ولا يمكن مقارنتها بأي مرحلة أخرى من مراحل نمو مشروعك لاحقًا.
الثلاثة شهـور الأولى من إطلاق مشروعك الناشئ تعدل تماما الدقائق الأولى من إقلاع الطائرة، الذي يتطلب بذل جهد خاص وتركيز عالٍ وصبر وتماسك أعصاب، واتّباع إرشادات ثابتة معروفة تؤدي إلى إقلاع آمن، وهو ما نفعله هنا؛ الإشارة إلى بعض الخطوات التي ينبغي أن توليها اهتمامًا خاصًا في المائة يوم الأولى، حتى تضمن "إقلاعًا آمنًا" لمشروعك الخاص
تأسيس نظام التشغيل
"94 % من المشكلات التي تحدث في عالم البيزنس لها أسباب متعلّقة بالنظام.. بينما الـ 6 % الباقية متعلّقة بالأفراد"
-إدوارد ديمينغ.
ما يقول إدوارد ديمينغ، العالم والاقتصادي والمنظّر للأنظمة: "كل المشكلات التي يمكن أن تقابلك في عالم الأعمال سببها خلل في تكوين النظام، وليس في الأفراد".
خلال المائة يوم الأولى من تأسيس الشــركة، يجــب جعل "تأسيس النظــام" أولويةً قصــوى، مهما كانت الشركة صغيــرة، أو عدد الموظفين قليلا؛ فـ"تأسيس النظــام" في أول 100 يوم من مشروعك الناشئ، هو الأمر الأساسي والطبيعي أيضاً، تأسيس النظــام في الشركة هي حالة مطابقة تمامًا لبدء نظام تشغيــل على جهـــاز الحاسوب الخاص بك.. هذا النظــام هو الذي سوف تستخدمه لإدارة أعمال الشركة، ومتطلباتها، وتكاليفها، ومتابعتها، وأرباحها… إلخ.
النظام هنا يعني كافة أنواع التحكم في سير العمليات، والأسماء الوظيفية، وتوزيع الأجور على الموظفين، يمكنك الاستعانة بخبير لوضع هذا النظام، أو حتى السير على نموذج مشروع ريادي آخر تجده أقرب إلى مشروعك الناشئ، ليس مطلوبًا منك أن تؤسس نظامًا رائعًا، وإن كان هذا من الجيد طبعًا، لكن اعتبر أنه نظــام تشغيــــل للمشروع في أولى خطواته.. نظــام خاص بالإقــــلاع، سيتغيّـــر ويتطوّر بعد استقــرار الشركة لاحقًا.
الكثير من الضجيج
"في أول 100 يوم من إطلاق مشروعنا الخاص، الهدف الأول والأخير هو أن نخبر الناس بأننا موجودون.. لا أكثر ولا أقل" - داميان جينسكي، رائد أعمال أميركي.
في الشهور الأولى لميلاد الشركة الناشئة، كـل مكان يمكن أن يعرّف (الآخرين) بك يجب أن تحجز فيه موطئ قدم، سواءً كان هؤلاء الآخرون عمــلاء أو مزوّدين أو موزّعين، أو حتى مهتمين بالشراكة والاستثمار.
أطلق موقعا ًإلكترونيا، وتطبيقاً ذكياً، وموّل حملات على السوشيال ميديا، وأبدع علامة تجارية مميزة، وقدّم عروضاً مغرية، واطبع أدلة إعلانية، وأطلق سيلاً من الاتصالات مع كل من ترى التواصل معه مهما. فمثلاً.. في العام 2006 أرسل متجر ASOS الإلكتروني 400 ألف دليل بيع وشراء مجانًا إلى الزبائن المحتملين، ما نتج عنه انتعاش كبير في حركة إقبال العمـلاء.
وفي العام 2007 مع تأسيس شركة تويتر للتدوين المصغّـر، استهدفت الشركة كافة التجمّعات التي تهم المدوّنين، وكافة الـ events التي يحتمل وجودهم فيها، والتي كانت سببًا في إحداث نقلة كبيرة من 20 ألف تغريدة يوميًا إلى 60 ألف تغريدة بعد شهور قليلة من إطلاق الموقع.
الناس عادة يُعجبـــون بالضجيج المحيط بمشــروع ما، ربما أكثر من إعجــابهم بالمنتج أو الخدمة ذاتها.. هذه القاعدة شديدة الشهــرة في عالم التســويق، وتجـــعل الآلاف يهتمّــون بمنتج أو فكــرة مشروع أو شركة ناشئة، فقــط من خلال ترويج مختلف ومميــّز لها طوال الوقت، كلما زاد الضجيج زاد عدد المستهلكين المحيطين بمشروعك، واستطعت أن تلتقط شريحة أكبر من العملاء، والتقاط العمـلاء بشكل سريع في بداية مشروعك هو إشارة واضحة أنك بالفعل تجتاز مرحلة الخطر.
اخترق المنافسة
جاك ويلش، المدير التنفيذي السابق لجنرال إليكترك، يقول: "إذا لم يكن لديك مزيــة تنافسيــة.. فلا تدخل المنافسة!
لايمكـن لشركة جديدة ناشئة أن تظهــر في مجال ما -أي مجال- إلا ولها منافسون حاضرون في الواقع، ولهم تاريخ في السوق، وثقة لدى المستخدم، العميل لديه شغف تلقائي تجاه أي منتج أو خدمة جديدة، والميزة التنافسية الأهم التي يجب أن يتميز بها مشروعك الناشئ الوليد لجذب نظر العملاء، هي أن تقدم منتجًا عالي الجودة بسعر معقول.
من الضروري التركيز على هذه المنهجيــة تحديدًا خلال الشهــور الأولى من إطلاق العمـــل، بتخفيض السعـــر، وعرض أفضــل المنتجات وأعلاها كفاءة، حتى إذا لم يكن الهامش الربحي كبيرًا.
لهدف في الشهور الأولى هو (لفت نظر العميل) أولاً.. ثم -لاحقاً- استهداف المال الذي في جيبه. الغزلان تستلقي بجانب الذئاب أحياناً. الحكيم الاستراتيجي الصيني (صن تسـو) مؤلف كتاب "فن الحرب"، له مقولة استراتيجية مأثورة وشهيرة، تقول: "إن كان صديقك قريباً، فاجعل منافسك أقرب" وهي المقولة التي تنطبق أكثر ما يمكن على عالم البيزنس وتأسيس الشركات الناشئة، التي عبّـر عنها بيل غيتس مؤسس مايكروسوفت بتعبير آخر أكثر قوة، قائلاً: "أحياناً، يجب على الغزلان أن تستلقي بجـانب الذئاب".
عندما تبدأ شركتك الناشئة ستجد أن الساحة مليئة بالذئاب التي تحتل أماكنها في السوق، والطبيعي هنا أن تقترب من هذه الذئاب أكثر، وتمد جسور العلاقات بينك وبينهم، وليس إشعال العداء غير المبرر، وجود منافس قوي في السوق ليس خطرًا بقدر ما هو دافع يدفعك إلى تطوير شركتك الناشئة بشكل أسرع، بل إن الحرص على علاقة جيدة مع منافسيك يجعل المنافس نفسه يتعامل معك باهتمام، وربما يتعــاون معـــك في مرحلة ما.
أوضح مثال على "اجعل منافسك أقرب"، ما حدث بين شركتي "مايكروسوفت" و "أبل" المتنافستين، عندما استثمرت مايكروسوفت في العام 1997، نحو150 مليون دولار في أسهم شركة أبل المنافسة لها، لتنقذها من أزمة طاحنة وتخرج كلتا الشركتين -المتنافستين- بصفقة رابحة. ما جعل كثيرين يصفون العلاقة بين الشركتين المتنافستين -حتى الآن- بأنها علاقة حب وكراهية متبادلة "A love-hate relationship"
اسع إلى تكوين علاقات مع الجميع طوال الوقت، وأبقِ منافسيك على مقربة منك، خصوصاً في الأيام الأولى لشركتك الناشئة، المنافسة هي أكثر شيء يجعلك دائمًا على اطلاع دائم على ما هو جديد في الساحة، بل ربما هذا التقارب ينقذك لاحقا عندما تقع في أزمة ما، أو حتى عندما تقــرر أن تستقطـب بعض العاملين لدى منافسك للعمل لمصلحتك في مرحلة ما، هذا هو عالم البيزنس، وهذه هي قواعده!